Friday, April 3, 2015

عاصفة أمل للسوريين

ميشيل كيلو

Link


ميشيل كيلو

ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
اقرأ أيضاً:
بعثت عملية "عاصفة الحزم" اليمنية الأمل في نفوس السوريين بأن ثورتهم ستنتصر، ليس فقط لأنهم صمدوا، أربعة أعوام ونيف، في وجه نظام هو الأكثر وحشية وعنفاً في تاريخ العرب القديم والحديث، وتخطوا أقسى ظروف بأكبر قدر من التضحيات يمكن تصوره، بل كذلك لأن العرب رموا، أخيراً، قفاز التحدي في وجه عدوهم: إيران، وأقدموا على فتح معركة معلنة لطردها من وطنهم، وردوا بالقوة على مرتزقة يغزون أوطانهم من الداخل، ويخضعونها بالقوة لإرادة طهران، فجاء ردّهم ضمن لحظة حاسمةٍ، بدا الطرف الإيراني عاجزاً معها عن الرد على التحدي الصارخ، وعن نجدة أتباعه الذين يواجهون خسارة تلوح معالمها في الأفق، وستغدو مؤكدة إن استخدمت القوات البرية ضدهم، بعد أسابيع من التمهيد الجوي والبحري المؤثر.
أربك الردّ العربي إيران من زوايا متنوعة، فالبلدان الإسلامية الكبرى المجاورة لها، كباكستان وتركيا، أعلنت وقوفها إلى جانب المملكة العربية السعودية ضد أي عدوان يستهدفها، وكذلك فعلت أوروبا وأميركا التي حذرت من استخدام قوتها ضد أي طرف يهاجم المملكة، بينما أعلن قادة العملية العسكريون أنهم لن يسمحوا بوصول إمدادات برية أو بحرية أو جوية إلى الحوثيين، وسيضربون أي هدف يقترب من سواحل اليمن وأجوائه، في حين أقامت الدول العربية تحالفاً ألقى بثقلها العسكري والسياسي في التصدي للاختراق الفارسي للجزيرة العربية، بدءاً بالأردن الذي وصل الحرس الثوري فجأة إلى حدوده الشمالية، مروراً بالكويت والبحرين، المهددتين بالاختراق والغزو بدورهما، وصولاً إلى السودان والمغرب، حيث يلعب التضامن المذهبي دوراً وازناً في الخيارات السياسية، ويعاني البلدان، منذ قرابة عقد، من تغلغل مذهبي في أوساطهما الريفية والفقيرة، ويجدان نفسيهما أمام ضرورة كبح جماح من يستهدفون عقيدتهما، بعد تحول نشاط دعاته إلى خطر داهم، يهدد هوية مجتمعيهما، وبقاء دولتيهما، هو أعظم خطر واجه العرب، بعد نيفٍ وستين عاماً، من بروز الخطر الصهيوني في بلادهم، الذي يخشون أن يتكامل تهديد إيران معه، فيكون في ذلك هلاكهم.
تعتبر "عاصفة الحزم" بداية فعل سيكون له تأثير حاسم، إن هو استمر ولم يعرف التهاون أو التراجع، سيكون له مفعول الهزيمة بأسوأ معانيها، وستترتب عليه نتائج وخيمة على التحالف العربي والموقف الإسلامي، ليس فقط لأنه سيشجع إيران على استئناف مشروعها، بل لأنه سيقوض كذلك علاقات النظم العربية بمجتمعاتها، وثقة المواطنين بقادتهم، وسيؤجج غضبهم على عجزهم وقبولهم المهانة، بينما يشعر عشرات الملايين منهم، اليوم، بالاعتزاز، بسبب ما أظهرته "عاصفة الحزم" من قوة وتصميم على إحراز انتصارٍ يعيد إلى اليمن أوضاعه الطبيعية، ويردع إيران هناك اليوم، لا بد أن يردعها غداً في سورية: المكان الذي تحضر فيه غزوات المرتزقة الإرهابية، ولولاه لما كانت لطهران القدرة على التمدد شمالاً وجنوباً، والتوسع شرقاً وغرباً في ديار العرب.
لا شك في أن "عاصفة الحزم" يمكن أن تكون بداية معركة استنهاض عربي شامل، لا شيء يؤكد أن العرب غير قادرين سياسياً على خوضها، وأن ظروفهم لم تنضج بعد لها، وشعوبهم لا تلح في طلبها، ونجاحها ليس سبيلهم إلى تقدمهم المنشود: المتوازن والآمن، وإلى طرد إيران من مجالهم السيادي، الوطني والقومي، وكبح جماح إسرائيل في فلسطين، وتحقيق قدر من التوافق بين دولهم وشعوبها، يجعلها قادرة على تحصين نفسها وبعضها ضد أي عدو.
يقف العرب أمام لحظة مفصلية حاسمة، فهل يرتبون أوضاع دولهم وعلاقاتها مع شعوبهم بطرق تحظى برضاهم، تبدأ معها مرحلة نوعية من تاريخهم، تفيد من خبرات ماضيهم القريب ودروسه، فيتعاونون كأعضاء في جسد واحد ومهدد، ما يوحدهم أكثر بكثير مما يفرقهم، بعد أن استنزفتهم انقساماتهم السابقة إلى تقدميين ورجعيين، وحدويين وانفصاليين، وعطلت قدراتهم وأفشلت تقدمهم، وكانت خيار زمن مضى، حتّمه اندماجهم في عالم انقسم، وقسمهم إلى معسكرين متصارعين/ متنافيين، نقلوا صراعاته إلى مجالهم القومي والداخلي، فكانت الكارثة التي لم يوجد، اليوم، ما يبرر استمرارها والانخراط في الصراعات التي أنتجتها، بينما وطننا العربي عرضة لتفكك داخلي عام، ولأطماع قوى إقليمية ودولية تواطأت عليه، إلى حد يلزمه برؤية نفسه بعين وحدته وكيانه القومي التكاملي، ويفرض عليه التحول إلى كتلة صلبة، متماسكة وعصية على الاختراق، على غير ما هو عليه اليوم.
ولعله ليس سراً أن مأساة سورية أنتجتها مخلفات عقلية الانقسام والصراع السابقة، وأن نظام الإجرام الأسدي يقاتل باسم تقدمية ووحدوية مزعومتين، لم تعد لهما وظيفة، غير ذبح مجتمعه وفتح أبواب العالم العربي أمام غزو إيران ومرتزقتها، بينما ستكون سورية الديمقراطية لكل أمتها، ولن ترى في أي نظام عربي غير جزء من الجسد العربي المهدد الذي وقع تهميشه في مصر، ويدمر اليوم في المشرق، ولا شيء يحميه في الخليج غير تضامنه وتكامله الوثيق والفاعل الذي يرى في أية معركة تنشب في أي مكان معركة ضد العرب في كل مكان، يرد عليها انطلاقاً من وحدة الجسد العربي وبدلالته، فلا انقسامات ولا صراعات، مهما كانت مسوغاتها براقة، بل وحدة في المواقف والمصالح، في السراء كما في الضراء.
لا مفر من هبوب "عواصف حزم" متعددة تمنع انتقال التدمير إلى الخليج، بإطفاء بؤرته في سورية التي إن هزمت ثورتها لن يحمي بقية العرب أو يحميه شيء من الدمار. إن سؤال الأسئلة الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تمت "عاصفة الحزم" انطلاقاً من هذا الوعي، واستجابة لهذه الضرورة التي دفعت عشرات آلاف السوريين إلى إبداء رغبتهم في الانخراط ضمن أية قوات برية تدافع عن الخليج، عرفاناً بجميل الخليج عامة والمملكة خاصة، وانتظاراً لموقف خليجي يمكّن شعب سورية من رد الأذى عن نفسه وإخوانه، ما دام قتاله ضد إيران ومرتزقتها، وخصوصاً منهم نظام الأسد، هو الذي سيقرر ما إذا كان العرب سينجحون في مواجهة الخطر، أم سيهلكون في أقرب الآجال.
-

No comments: