Wednesday, December 24, 2014

مقترحات مشبوهة لتسويق الأسد ومواصلة الصراع

AN IMPORTANT REPORT

فيما يبدو وكأنه مسعى جديد إلى إعادة تعويم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والدفع باتجاه إعادة تأهيله، ظهرت، أخيراً، أفكار سياسية ترتكز عليها بعض المبادرات، وتشترك جميعها بفكرة أساسية، هي أن المعارضة المعتدلة السورية لم تعد طرفاً فاعلاً في هذه الأزمة، وأنها ما فتئت تفقد تأثيرها لصالح جماعات جهادية متطرفة تبدأ بداعش والنصرة، ولا تنتهي بجماعة خراسان التي كشف الأميركيون عن وجودها، أول مرة، عندما استهدفوا ما قالوا إنها مواقع لها، وذلك مع انطلاق الغارات الأميركية ضد تنظيم الدولة في سورية في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي. انطلاقاً من ذلك، تحاول هذه المبادرات، بعضها تصريحاً والأخرى تلميحاً، القول إن البديل لنظام بشار الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض، وتشتتها في الخارج، إلا التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ما يعني أن إضعاف نظام الأسد والسعي إلى إطاحته يخدم، في نهاية المطاف، هذه التنظيميات، ويمهد لها سبل الوصول إلى السلطة.
مبادرات عديدة وهدف واحد
ظهرت، أخيراً، مبادرتان أساسيتان، تُنَظِّر بهذا الاتجاه: الأولى، مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، وتهدف إلى تجميد الصراع ابتداءً من مدينة حلب. وترتكز على ثلاث نقاط رئيسة، أهمها التركيز على محاربة الإرهاب، وكأن الإرهاب في سورية يمارس من طرف واحد، وأنه سبب الأزمة، وليس العنف الذي استخدمه النظام لقمع الحركة الاحتجاجية وردعها وإرهابها عن السعي إلى تحقيق تطلعاتها في الإصلاح ثم التغيير. وثاني النقاط تخفيض مستوى العنف، وثالثها تخفيف المعاناة الإنسانية، والدفع باتجاه مصالحات محلية، يمكن أن تشكل منطلقاً لحل سياسي للأزمة.

المبادرة الثانية التي تدفع بالاتجاه نفسه تقريباً، هي المبادرة الروسية المدعومة إيرانياً، والتي كشف عن بعض تفاصيلها المستشرق الروسي، فيتالي نعومكن، في مقال نشره موقع المونيتور، والذي يملكه ويديره جمال دانيال، رجل الأعمال الاميركي السوري الأصل، والمقرب من نظام بشار الأسد، وذلك مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري. وهناك دلالة لاختيار نعومكن موقع المونيتور لنشر مقالته، ومن المفيد الإشارة إلى أن دانيال يمتلك، أيضاً، حصة كبيرة في صحيفة السفير اللبنانية، القريبة من النظام السوري، وله مكتب رسمي ومراسلون إسرائيليون في تل أبيب، وكان قد أدار حملة العلاقات العامة لصالح حكومة بشار الأسد في الولايات المتحدة في مايو/ أيار2005، عندما وقعت دمشق عبر سفيرها في واشنطن، حينئذ، اتفاقية مع شركة (نيوبريدج ستراتيجيز)، لتحسين صورة النظام في الولايات المتحدة. وعبر علاقاته الوثيقة بدوائر اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، وصداقته مع عائلة بوش، خصوصاً أنه شريك شقيق الرئيس السابق، نيل بوش، في عدة أعمال تجارية، قدم دانيال خدمات كبيرة للنظام السوري في الولايات المتحدة.
وجاء في مقال نعومكن إنه مع تلاشي المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض في سورية، فإن طرفي الصراع الرئيسيين اليوم هما الجماعات الإسلامية المتشددة والنظام السوري، "وإن بقاء نظام الأسد من ثم قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة السورية ومنعها من الانهيار"، أو سيطرة المتشددين الإسلاميين عليها. ولتحقيق هذا الهدف، تسعى المبادرة الروسية، كما يقول نعومكن، إلى عقد مؤتمر سوري، يجمع أطراف الأزمة في موسكو، أولاً، ثم ينتقل الاجتماع إلى دمشق، ويشارك فيه ممثلون عن نظام بشار الأسد، وأطراف من المعارضة السورية، مثل الرئيس السابق لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، معاذ الخطيب، وعباس حبيب ممثلاً عن مجلس العشائر السورية، وقدري جميل المعارض القريب من نظام الأسد، والذي يقيم في موسكو منذ إقالته من منصبه، نائباً لرئيس مجلس الوزراء في سورية عام 2013، وأعضاء من هيئة
دي ميستورا 
التنسيق التي غالباً ما يشار إليها بالمعارضة الداخلية، وقد أعرب هؤلاء جميعاً، بحسب نعومكن، عن استعدادهم للحضور من دون اشتراط تنحي الرئيس بشار الأسد، وعن دعمهم للحرب على تنظيم الدولة، وإجراء مصالحات بين أطراف الصراع من السوريين.
ولكن، ثمة أفكار أخرى، سعى أصحابها إلى ترويجها في الإعلام، وإكسابها أهمية في الغرب. وهي الأكثر مباشرة في طرحها، لضرورة الحفاظ على بقاء الأسد. وهي لا تستحق تسمية مبادرات. منها التي يقودها ديفيد هارلاند، المدير التنفيذي لمركز الحوار الإنساني، والذي يتخذ من جنيف مقراً، وشريكه في الطرح الصحافي الأميركي، نير روزن، الذي وضع تقريراً في 55 صفحة عن خطة، يطرحها المركز لإبرام هدن محلية في سورية، تشكل منطلقاً لإنهاء الصراع الدائر منذ 4 سنوات. والمعروف أن مركز الحوار الإنساني هو الذي توسط لإبرام وقف إطلاق النار في حمص بين النظام وقوات المعارضة.
هدن محلية أم إعادة تأهيل للنظام؟
كاتب التقرير نير روزن صحافي أميركي، قريب من دوائر اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهو من أكثر الصحافيين الغربيين إثارة للجدل، وقد أثار تقرير ظهر في صحيفة تلغراف البريطانية مطلع عام 2012 عن مراسلات سرية بين روزن ومسؤولين في النظام السوري ضجة كبيرة في أوساط الاعلام الغربي، إذ تبين، في وثائق حصلت عليها "تلغراف" بعد اختراق البريد الإلكتروني الشخصي لبشار الأسد، أن روزن كان يزود النظام السوري بمعلومات عن تحركات زملائه من الصحافيين الغربيين في مدينة حمص، في أثناء تغطيتهم المعارك التي اشتعلت في أحياء حمص القديمة بين النظام والكتائب التي شكلها أهالي حمص، للدفاع عن أنفسهم، وذلك في ربيع عام 2012. وفي إحدى الرسائل الإلكترونية التي كان يحاول فيها ترتيب مقابلة مع الأسد، ذَكَّرَ روزن بتغطيته الإيجابية سياسات النظام السوري وممارساته، عبر مقالات نشرها في قناة الجزيرة الانجليزية. وفي رسالة جرى توجيهها إلى بشار الأسد، لإقناعه بإجراء مقابلة معه، يقول روزن "تَمَكنتُ من دفع قناة الجزيرة الانجليزية إلى عرض المسيرات المؤيدة للنظام، كما نجحت في دفعها إلى توضيح أن بشار الاسد وحكومته يحظيان بدعم وتأييد كبيرين في سورية، وأن هناك بالتأكيد جماعات مسلحة تطلق النار على قوات الأمن السورية التي تجد نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها".

وقد ظهرت أفكار هارلاند- روزن، أول مرة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في عمود رأي كتبه ديفيد أغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست، وبسبب الضجة التي أثارها العمود، أرسل روزن خطاباً مفصلاً عن الموضوع، نشره جيمس تراوب في مجلة فورين بوليسي، في الرابع عشر من الشهر نفسه، بعنوان" بشار الأسد ومساومات الشياطين". وقد عادت تفاعلاتها مجدداً إلى الظهور، في تقرير أخير في "فورين بوليسي"، كتبها محرر شؤون الشرق الأوسط ديفيد كينر.
والحقيقة أن الحديث، هنا، عن فردين"تطوعا" لاختراق جبهات الثوار، وللتواصل مع أجهزة النظام، ولتقديم أفكار لم يطلبها منهما أحد، ولا أحد يعلم من تخدم، ولماذا قدمت؟ ولولا أنهما من "العرق" الأبيض المتفوق، ولولا أن موضوع الحديث هو العرب، وعن كيفية مكافحة الإسلاميين، لما أعارهما أحد اهتماما. ولنتخيل، مثلاً، لو ظهر صحفيان عربيان بدون صفة أخرى في مناطق الصراع في إيرلندا، في سبعينيات القرن الماضي، وطرحا حلولاً لمشكلة إيرلندا الشمالية، هل كان سيعيرهما أحد انتباهه؟ وهل كانت "فورين بوليسي" ستفرد لهما مقالاً؟
وعلى الرغم من أن التقرير صدر عن مركز الحوار الانساني الذي يرأسه هارلاند، فإن المركز رفض المسؤولية عنه، وطلب الإشارة إليه باعتباره من تأليف روزن. النص، إذن، لا يستحق أن
الصحفي الأميركي نير روزن 
يسمى تقريراً، بل هو ورقة قدمها صحفي مغامر في أفضل الحالات، وشخص يعمل عن وعي لصالح أطراف معادية للشعب السوري في أسوئها. يحاول روزن تسويق فكرة أن المعارضة السورية سلكت طريق التطرف الذي لا عودة عنه، وأن نظام بشار الأسد يبقى، في المقابل، غير طائفي بطبيعته وتكوينه، وأن حل الصراع يمكن أن يتم بعد أن فشلت كل المساعي الدولية لإنهائه، عبر هدن محلية، يجري التوصل إليها عبر الأمم المتحدة بين المجتمعات المحلية والنظام، وبما يسمح بعزل المتطرفين وتشكيل قوة مشتركة لمواجهتهم، لكن ذلك سوف يتطلب، بالطبع، التخلي عن شرط رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، عن السلطة.
يقوم تقرير روزن، في جزء كبير منه، على مقابلات أجراها المؤلف مع مسؤولين سياسيين وأمنيين في نظام بشار الأسد، وقد جرى تقديم التقرير إلى مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في محاولة للحصول على دعمهم للمبادرة، ومستغلاً غياب أي سياسة واضحة لواشنطن تجاه المسألة السورية.
وفيما يحاول إعادة تسويق نظام بشار الأسد باعتباره نظاماً "علمانياً وحداثياً وغير طائفي"، بحسب زعمه، فإن روزن يحاول، في المقابل، أن يتجاوز عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، بما فيها المسؤولية عن قتل مئات الألوف منهم وتهجير الملايين وتدمير أكثر من نصف البلاد. أما المعارضة فيصفها بالمتطرفة والمعادية للمرأة والحداثة والعلمانية والديموقراطية، و"لكل ما هو غير سني"، وكأن هذه المواقف بافتراض صحتها تصلح مادة للمقارنة بالجرائم التي ارتكبها النظام. بغض النظر، وسواء نجح روزن (وأمثاله من "المتطوعين" الذين يظهرون فجأة في مناطق الصراع) في تسويق مبادرته في الغرب، الذي لم يقدم لثورة الشعب السوري، منذ البداية، إلا دعماً كلامياً، ساهم ربما في زيادة الوضع سوءاً، أو فشل، فالأكيد أنه لن ينجح في تسويقها بين أصحاب الشأن من السوريين الذين قطعوا مع النظام، وقرروا أن لا عودة عن الطريق الذي سلكوه.
يدرك الناس في سورية خطورة نشوء الميليشيات المسلحة المتطرفة التي لا تتبنى شعارات الثورة وبرنامجها، بل تحمل نقيضها. ولكن، ثمة حقيقة باتت بديهية لسوريين كثيرين، هي أنهم يحملون النظام المسؤولية ليس فقط عن الاستبداد، بل عن حقيقة أن هذا الاستبداد هو الذي دفع إلى نشوء الثنائية بينه وبين والإرهاب، نبوءة تحقق ذاتها، تماماً مثل ثنائية "الأسد أو نحرق البلد". وقد يعتقد بعضهم في الغرب أن الأسد أفضل من داعش، ولكن في الشرق لا يجري أحد مثل هذه المفاضلة الوهمية، فهذه ثنائية الاستبداد ومفاضلاته التي تهدف إلى تبرير وجوده. الناس في الشرق لا يريدون هذا ولا ذاك. ويحملون الاستبداد وعقليته وسلوكه وجرائمه المسؤولية بالدرجة الأولى.

No comments: