Sunday, December 15, 2013

سياسات شجعت الاصولية

ميشيل كيلو

 زعم النظام السوري منذ اليوم الأول لحركة الاحتجاح الشعبي ضده ان وراءه قوى اصولية تحركه ،واعلن استراتيجيته لمواجهة هذه القوى ، التي ستقوم اساسا على حماية الشعب بالقوة من المسلحين التابعين لها من جهة ، وعلى فضح اساليبهم وشعاراتهم المخادعة ، التي يستخدمونها لتضليل المواطنين وتشجيعهم على النزول الى الشارع ، وفي مقدمها شعارات الحرية والمواطنة والدولة الديمقراطية ، ليس لان النظام ضدها ، بل لان استخدامها يغري قطاعات واسعة من الشعب بالانسياق وراء الأصولية ، لذلك لا بد من ملاحقة مروجيها ودعاتها اما لانهم مشبوهون او سذجا يخدمون اغراضا تآمرية تقف وراء الاحتجاج  . 
  بنى النظام جزءا مهما من استراتيجيته على تهمة الأصولية ، التي وجهها بصورة فعلية إلى الشعب ، دون ان يحدد القوى التي تقف وراءها او يقدم دليلا واحدا طيلة سبعة اشهر على وجود أي حراك او فعل يشير الى وجودها بشكل ملموس في اي مكان من سوريا ومع انه كان يع.رف كم هو كاذب ، فقد اراد ضرب عصفورين بحجر واحد : 
كسب عطف ودعم الخارج الدولي ، الذي ما ان يسمع كلمة الأصولية حتى يقف ضدها ، سواء كانت موجودة بالفعل ام بالوهم – كما كان حال سوريا – ويؤيد من يحاربها ، مهما كان غارقا في القذارة والكذب .
ملاحقة الديمقراطيين السوريين في الداخل وقمع قطاعات الشعب ، التي كانت تنزل إلى الشارع بحجة التعاون مع الاصولية ، كي لا يقال إنه يلاحقهم كديمقراطيين يطلبون الحرية لشعب مظلوم يرفضه ، ولا يبقى على حقيقته كصراع بين شعب يريد حريته ونظام يبطش به لهذا السبب .
    ومع ان تركيز النظام على الاصولية الغائبة لعب دورا مهما في فبركتها واستحضارها ، فإن أيا من هذين الهدفين لم ينجح في تضليل شعب سورية، الذي كان يعيش الواقع ويرى بأم عينه من يتظاهر وكم هو بعيد عن الاصولية ، لكنهما نجحا في دغدغة وايقاظ احقاد غرب يعتقد في قرارة عقله ان المسلمين ميالون بطبعهم الى الاصولية ، وان اي حراك سياسي يقومون به ينطلق بالضرورة من دوافع اصولية او ينتهي إلى نتائج تحمل بصماتها . هذه النظرة ، التي عبرت عن نفسها في حيرة الغرب الظاهرة خلال انتفاضة شعوب تونس ومصر واليمن ، التي نزلت باعداد كبيرة الى ساحات التظاهر رافعة شعارات ديمقراطية ، وجدت من قبلها في حال سوريا ، بدليل موقف الغرب من تسليح المعارضة ، الذي بني على الخشية من الاصولية ومن وصول السلاح الحديث إليها ، ثم تخطى السلاح إلى ما يجب اتخاذه من تدابير للحيلولة دون تغلبها على ما يسمونه " القوى المعتدلة " . وبينما ادت المواقف من السلاح الى وجوده بوفرة لدى جماعات اصولية برزت وتقدمت بسرعة لاسباب بينها عنف النظام وما رأى السوري العادي فيه " تخاذل الغرب"، كان للخوف الأميركي / الاوروبي من الاصولية نتيجتان : اهتمام شعبي سوري بها لكونها بدت مستقلة عن سياسات خارج مخادع يدير ازمة سورية بدل حلها ، وفي الوقت نفسه قادرة على خوض الصراع بنجاح ضد نظام الاسد ، دونما حاجة إلى دعم دولي ، في حين ترقص قوى الثورة الاخرى على مزمار خارجي لم يعد يطرب احدا . 
   كان "الغرب" ينتهج سياسات تبدو وكأنها قائمة على المماطلة وترفض قراءة الواقع بطرق تتفق وما يحدث فيه ، ترتبت عليها نتائج بالغة السلبية تجاه اللتنظيمات التي تأسست من خلال الثورة وعبرت عنها كالجيش الحر والمجلس الوطني والائتلاف وبقية الاحزاب والقوى غير الاصولية ،  افادت التيارات الاصولية من ما اعتبر فشله وعجزه عن فهم ما يجري على الارض، وحققت نجاحت تغير اليوم بعمق قوى وقواعد الصراع في سوريا وربما في المنطقة العربية والاسلامية ، وتخلق ثنائية قطبية ليس طرفها الأول النظام والثاني الشعب الثائر ، بل الاصولية التي تبتلع الجيش الحر وتمهد لضرب الائتلاف  وتغير المشهد السياسي والعسكري بطريقة لن تقف عند حدود عربية او اقليمية ، إن هي نجحت في احباط أي حل سياسي للمعضلة السورية،  والحلول محل ما انتجته الثورة من تنظيمات ومؤسسات، وفي مقاتلة النظام بنجاح . 
  قد لا تكون هذه النتيجة مما اراده الغرب الأميركي . لكنها انبثقت بالتأكيد عن سياساته، التي قامت منذ بداية الثورة على الصراع على سورية  وفيها، وعطلت حل معضلتها باصرار، واطالتها وسكتت على عنف النظام ، الذي بلغ مرحلة الاجرام منذ ايام الثورة الأولى،وأدارت الامور باساليب رجحت كفة الاصولية وانهكت واضعفت القوى الديمقراطية ، وها هي تقف اليوم امام قرار يرجح ان تتخذه في وقت جد قريب ، يتعلق بالمفاضلة بين النظام والاصولية ، وخاصة القاعدية منها ، ومن منهما ستختار . 
   اذا كانت قراءة نص الثورة الذي قدمته في هذه المقالة صحيحا ، فإن قرار الدول الغربية يرجح ان يكون لصالح النظام ، الذي قد لا يكون الاسد على رأسه بالضرورة ، لكن تجاربه في الحرب ضد " الارهاب " ، وعنفه ضد شعبه يرشحانه للانخراط في حرب ضد اصولية غدت اقليمية !

No comments: